فصل: 1- فالعلم المحمود:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: موسوعة الفقه الإسلامي



.1- فالعلم المحمود:

هو ما ترتبط به مصالح أمور الدنيا كالطب والحساب.
فالطب ضروري لبقاء الأبدان وسلامتها، فإن الذي أنزل الداء أنزل الدواء، وأرشد إلى استعماله، فلا يجوز التعرض للهلاك بإهماله، وهو فرض كفاية، وأفضل العلوم بعد علم الشرع، وفيه أجر بحسب نية صاحبه.
وكذلك الحساب تعلمه ضروري في المعاملات، وقسمة المواريث والوصايا.
وهو فرض كفاية إذا قام به من يكفي سقط الفرض عن الباقين.
وكذلك كل ما يحتاجه الناس في حياتهم تعلُّمه فرض كفاية كالفلاحة، والصناعة ونحو ذلك.

.2- والمباح:

كالعلم بالأشعار، وتواريخ الأخبار والأحداث.

.3- والمذموم:

كل ما يفسد البلاد والعباد والأخلاق كعلم السحر، والكهانة، والشعوذة ونحو ذلك.

.أقسام العلم الشرعي:

العلم الشرعي ثلاثة أقسام:
الأول: العلم بالله وأسمائه وصفاته وأفعاله، وأكثر آيات القرآن في تقرير هذا النوع.
الثاني: العلم بما أخبر الله به مما كان من الأمور الماضية.. وما يكون من الأمور المستقبلة.. وما هو كائن من الأمور الحاضرة.
وفي مثل هذا أنزل الله آيات الخلق، وقصص الأنبياء مع أممهم، وآيات الوعد والوعيد، وصفة الجنة والنار.
الثالث: العلم بما أمر الله ورسوله به من أعمال القلوب كالإيمان واليقين والتوكل ونحو ذلك.
ومن أعمال الجوارح كالعبادات والطاعات القولية والفعلية.

.فقه العلم الشرعي:

العلم خمسة أنواع:
علم هو حياة الدين وأصله، وهو علم التوحيد.
علم هو غذاء الدين، وهو علم الإيمان، والذكر والوعظ، والتفكر في الآيات الكونية، والآيات القرآنية.
علم هو دواء الدين، وهو علم المسائل الشرعية، والفتوى.
وعلم هو داء الدين، وهو كل قول على الله بلا علم.
وعلم هو هلاك الدين وأهله، وهو علم السحر والكهانة، والبدع والفواحش ونحوها.
قال الله تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ [19]} [محمد: 19].
وقال الله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ [33]} [الأعراف: 33].

.أقسام العلوم الشرعية باعتبار ذاتها:

العلوم الشرعية تنقسم إلى قسمين:
علوم خبرية اعتقادية.. وعلوم طلبية عملية.
فالأول: كالعلم بالله وأسمائه وصفاته وأفعاله، والعلم بأركان الإيمان، والثواب والعقاب ونحو ذلك.
والثاني: كالعلم بأعمال القلوب والجوارح من الأحكام، من الأركان، والواجبات، والسنن، والمحرمات، والمكروهات، والمباحات.

.شعب العلم الشرعي:

العلم الشرعي له شعبتان:
فضائل.. ومسائل.
الفضائل: تولِّد الشوق والرغبة لامتثال أوامر الله عز وجل، وهي من الإيمان، ونتعلمها قبل الأحكام والمسائل، وبها تُعرف قيمة الأعمال، فتنشط النفوس للعمل.
فالقلوب تتأثر من كلام الله ورسوله، فتتحرك الجوارح لأداء الطاعات بالرغبة والشوق.
قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا [107] خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا [108]} [الكهف: 107- 108].
المسائل: وهي الأحكام الشرعية العملية التي نتعلمها، ونعمل بها، ونعلمها الناس كأحكام الطهارة، والصلاة ونحوهما، والقصد من معرفتها التعبد لله بها، وأن تكون جميع أعمالنا على طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم.
قال الله تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ [2]} [الجمعة: 2].

.أقسام العلماء من حيث المعرفة:

العلماء من حيث العلم ثلاثة أقسام:
الأول: عالم بالله، عالم بأوامر الله، فهذا في أعلى الدرجات.
الثاني: عالم بالله، غير عالم بأوامر الله كما يجب.
الثالث: عالم بأوامر الله، غير عالم بالله كما يجب.
أما الأول: فهو الذي عرف ربه بأسمائه وصفاته، وعرف جلاله وجماله، وعرف أحكام دينه وشرعه.
فهذا بأعلى المنازل، وهذا سبيل الأنبياء والصديقين.
وعلامته: أن يكون دائم الذكر لربه.. معظماً له.. محباً له.. مستحٍ منه.. خائفاً منه.. راجياً له.. مطيعاً له.. عابداً له بما شرعه رسوله؟.. معلماً لشرعه.. داعياً إليه.
وأما الثاني: فهو الذي استولت معرفة ربه على قلبه، فهو يرى عظمة الله، فهو دائم التعبد والذكر والاستغفار، فلا يتفرغ لتعلم الأحكام إلا ما لابد منه.
فهذا على خير عظيم، لكنه دون الأول.
وأما الثالث: فهو الذي عرف الحلال والحرام، والأركان والواجبات، والسنن والمباحات، لكنه لا يعرف أسرار جلال الله وعظمته وجماله، وحقوقه على عباده.
فهذا على خير لكنه دون الأول والثاني.
قال الله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: 28].
وقال الله تعالى: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ [9]} [الزُّمَر: 9].

.أولو الأمر:

المراد بأولي الأمر الأمراء المتقون.. والعلماء الربانيون.
فهؤلاء هم المجاهدون في سبيل الله:
الأمراء المتقون بأيديهم.. والعلماء الربانيون بألسنتهم.
والأمراء يرجعون إلى العلماء الربانيون فيما أشكل عليهم، فعاد الأمر إلى فضل العلم والعلماء، وأنهم أئمة الناس الذين يقتدى بهم، ويهتدي بسببهم الضال، ويُشفى العليل، ويتعلم الجاهل.
وهذا النور الذي أضاء على الناس منهم هو نور الإيمان والعلم والمعرفة.
قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا [59]} [النساء: 59].
وقال الله تعالى: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا [83]} [النساء: 83].

.أقسام العلماء من حيث المنفعة:

العلماء ثلاثة أقسام:
الأول: عالم استنار بنور الإيمان والعلم، واستنار بذلك الناس منه.
فهذا من خلفاء الرسل، وورثة الأنبياء، وبسطته للناس رحمة لهم.
الثاني: عالم استنار بنور علمه، ولم يستنر به غيره.
فهذا إن لم يفرط كان نفعه قاصراً على نفسه, وبينه وبين الأول ما بينهما.
الثالث: عالم لم يستنر بنور علمه، ولم يستنر به غيره.
فهذا علمه وبال عليه، وبسطته للناس فتنة لهم، ومن يرد الله فتنته فلا حيلة فيه، ولا يزيده كثرة العلم إلا حيرة وضلالاً وطغياناً، والله أعلم حيث يجعل رسالته: {وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ [41]} [المائدة: 41].

.أقسام الناس من حيث العلم والعمل:

الناس في العلم والعمل أربعة أصناف:
الأول: من رزقه الله علماً وعملاً:
وهؤلاء خلاصة الخلق، وأئمة هذا الصنف الأنبياء والرسل، وهم في ذلك درجات، ثم يليهم أتباعهم من الصديقين والشهداء والصالحين، وهم في ذلك درجات.
الثاني: من حُرم العلم والعمل:
وهذا الصنف شر البرية، وهم الصم البكم العمي الذين لا يعقلون، وجلهم أمثال البهائم والحمير والسباع.
الثالث: من فُتح له باب العلم، وأُغلق عنه باب العمل:
فهذا في رتبة الجاهل أو شر منه، وما زاده العلم إلا وبالاً وعذاباً.
الرابع: من رزقه الله حظاً من الإرادة والعمل، ولكن قل نصيبه من العلم:
فهذا له نصيب من الخير، وإذا عرف فضل العلم أقبل عليه، وحسن عمله.
ونور العلم لم يُحجب عن القلوب لمنعٍ من جهة المنعم سبحانه، ولكنه حُجب لخبث وشغل من جهة القلوب، فالقلوب المملؤة بالماء لا يدخلها الهواء، والقلوب المشغولة بغير الله لا تدخلها المعرفة بجلال الله.

.قوة العلم والعمل:

الناس من حيث القوة العلمية والعملية قسمان:
الأول: من تكون له القوة العلمية الكاشفة، ويكون ضعيفاً في القوة العملية، يبصر الحقائق ولا يعمل بموجبها، ويرى سبل المهالك ولا يتوقاها، فهو أعمى البصر عند ورود الشهوات، فهو فقيه ما لم يحضر العمل، فإذا حضر العمل شارك الجهال في التخلف، وفارقهم في العلم.
وهذا هو الغالب على أكثر النفوس المشتغلة بالعلم، إذ قد يكون لها مقاصد غير وجه الله تحرمها ثمرة العلم، وهو العمل بموجبه، والمعصوم من عصمه الله.
الثاني: من تكون له القوة العملية، وتكون أغلب القوتين عليه، ويكون ضعيف القوة العلمية، فهو أعمى البصر عند ورود الشبهات.
فداء هذا من جهله.. وداء الأول من فساد إرادته.
وهذا حال أكثر السالكين على غير طريق العلم.
فهؤلاء كلهم عمي عن ربهم، وعمي عن شريعته.
ومن كملت له هاتان القوتان استقام له سيره إلى الله عز وجل، وحصلت له السعادة في الدنيا والآخرة.
واستكمال القوة العلمية يكون بمعرفة فاطره وبارئه.. ومعرفة أسماء الله وصفاته.. ومعرفة الطريق الموصلة إليه.. ومعرفة نفسه وآفاتها.
واستكمال القوة العملية يكون بأداء حقوق الله وأوامره صدقاً، وإخلاصاً، ومتابعة.

.2- أشرف العلوم:

.فضل العلم:

فضيلة الشيء وشرفه يظهر تارة من عموم منفعته.. وتارة من شدة الحاجة إليه.. وتارة من ظهور النقص والشر بفقده.. وتارة من حصول اللذة والسرور بوجوده.. وتارة من كمال وحسن الثمرة المترتبة عليه.
وهذه الجهات بأسرها حاصلة للعلم.
والعلوم غذاء للقلوب، كما أن الأطعمة غذاء للأبدان، والكل متفاوت.
وشرف العلم تابع لشرف المعلوم، فليس العلم بالله وشرعه كالعلم بالتراب والقماش.
فأجلّ العلوم وأشرفها وأفضلها وأحسنها هو العلم بالله وأسمائه وصفاته وأفعاله، بل هو أصل العلوم كلها.
ولا شيء أطيب للعبد ولا ألذ ولا أهنأ ولا أنعم للقلب من معرفة ربه، ومحبة فاطره، ودوام ذكره، والسعي في مرضاته.
ومن أجل هذا خلق الله الخلق.. ولأجله نزل الوحي.. ولأجله أرسل الله الرسل.. وقامت السماوات والأرض.. وخلقت الجنة والنار.
ولا سبيل إلى معرفة ذلك، والمنافسة فيه، إلا من باب العلم، فأعرف الخلق بالله أشدهم حباً له، وتعظيماً له، وطاعة له.
والعلم يفتح الباب العظيم الذي هو سر الخلق والأمر.
قال الله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا [12]} [الطلاق: 12].

.أساس دعوة الرسل:

لب دعوة الرسل ثلاثة أصول:
الأول: تعريف الناس بالله وأسمائه وصفاته وأفعاله.
الثاني: تعريف الناس بالطريق الموصل إليه، وهو شريعته المتضمنة لأمره ونهيه.
الثالث: تعريف السالكين بما لهم بعد الوصول إليه في الآخرة، وهو الجنة لمن آمن به وأطاعه.. والنار لمن كفر به وعصاه.
وورثة الرسل وخلفاؤهم من سار على هديهم.
قال الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا [21]} [الأحزاب: 21].

.ما ينال به العلم:

السمع والبصر والقلب هي أمهات ما ينال به العلم.
فالقلب يعقل الأشياء بنفسه.. والعين تنقل ما رأت وتصبه في القلب.. والأذن تسمع العلم وتنقله إلى القلب.
وصاحب الأمر هو القلب، وسائر الأعضاء حجبة له، توصل إليه ما لا يأخذه بنفسه من المسموعات والمرئيات.
والقلب خلقه الله للإيمان والتوحيد، والذكر للقلب بمنزلة الغذاء للجسم.
وإذا كان القلب مشغولاً بالله، عاقلاً للحق، متفكراً في العلم، فقد وُضِع في موضعه.
وإذا لم يُصرف القلب إلى العلم، ولم يُودَع فيه الحق، فهو ضائع، والقلب نفسه لا يقبل إلا الحق.
والذي يَحُول بين القلب والحق شغله بغيره من فتن الدنيا، وشهوات الجسد، وقد يعرض له الهوى قبل معرفة الحق، فيبعده عن النظر فيه، وقد يعرض عنه عن كبر فيه، وقد يعرض له الهوى بعد معرفة الحق فيجحده ويعرض عنه.
والقلوب أوعية العلم والإيمان.
فمن كان قلبه سليماً ليناً رقيقاً سَهُل قبوله العلم، ورسخ فيه وأثّر.
وإن كان القلب مريضاً قاسياً غليظاً كان قبوله للعلم صعباً عسيراً.
فإذا كان القلب زاكياً صافياً زَكَى فيه العلم، وأثمر ثمراً طيباً.
وإن قَبِل القلب العلم، وكان فيه كدورة وخُبث أفسد ذلك العلم كالزرع مع الدَّغَل ينبت لكن لا يزكو.
قال الله تعالى: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [78]} [النحل: 78].
وقال الله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [28]} [الرعد: 28].
وَعَنْ أبِي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قال: «مَثَلُ مَا بَعَثَنِي اللهُ بِهِ مِنَ الهُدَى وَالعِلْمِ، كَمَثَلِ الغَيْثِ الكَثِيرِ أصَابَ أرْضاً، فَكَانَ مِنْهَا نَقِيَّةٌ، قَبِلَتِ المَاءَ، فَأنْبَتَتِ الكَلأ وَالعُشْبَ الكَثِيرَ، وَكَانَتْ مِنْهَا أجَادِبُ، أمْسَكَتِ المَاءَ، فَنَفَعَ اللهُ بِهَا النَّاسَ، فَشَرِبُوا وَسَقَوْا وَزَرَعُوا، وَأصَابَتْ مِنْهَا طَائِفَةً أخْرَى، إنَّمَا هِيَ قِيعَانٌ لا تُمْسِكُ مَاءً وَلا تُنْبِتُ كَلأً، فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ فَقُهَ فِي دِينِ الله، وَنَفَعَهُ مَا بَعَثَنِي اللهُ بِهِ فَعَلِمَ وَعَلَّمَ، وَمَثَلُ مَنْ لَمْ يَرْفَعْ بِذَلِكَ رَأْساً، وَلَمْ يَقْبَلْ هُدَى الله الَّذِي أرْسِلْتُ بِهِ». متفق عليه.

.مقاصد الإسلام:

مقاصد الإسلام تدور على أربعة أصول:
الأول: معرفة الله بذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله، وهو التوحيد والإيمان.
الثاني: معرفة العبادات والمعاملات، والمعاشرات والأخلاق، وكيفية أدائها والاتصاف بها.
الثالث: الدعوة إلى الله، وتعليم شرعه، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، ليسعد كل فرد في العالم بهذا الدين.
الرابع: إيقاف المعتدي عند حده بوضع الأحكام والعقوبات التي تحفظ الأمن، والأنفس، والأعراض، والأموال، والعقول، والدين، وهي الجهاد والحدود.
والقلوب كالأواني ما دامت ممتلئة بالماء لا يدخلها الهواء.
فالقلوب المشغولة بغير الله، لا تدخلها المعرفة بجلال الله.
وليس المقصود من العلم العمل فقط، بل المقصود الإيمان والعمل.
ولو كان المقصود من العلم العمل فقط، لكان المنافقون في الجنة، لكنهم في الدرك الأسفل من النار؛ لأنهم يعملون بلا إيمان.
فالعلم بوحدانية الله، وأنه لا إله إلا هو، مطلوب مراد لذاته، فكما أن عبادته مرادة لذاتها، فكذلك العلم به سبحانه مراد لذاته، ولابد للعبد من معرفة هذا وهذا، والعمل بموجب هذه المعرفة.
قال الله تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ [19]} [محمد: 19].

.فقه الرغبة في طلب العلم:

الإنسان لا يرغب في طلب العلم ولا يقبل عليه إلا بإرادة جازمة، ولا تأتي الإرادة إلا بمحرك لها وهو الإيمان، ومعرفة فضل العلم، وثواب العلماء، ومعرفة درجاتهم عند الله عز وجل.
ومما يرغِّب الإنسان في طلب العلم الشرعي، ويحرك نفسه لتعلمه وتعليمه أن يتفكر ويقول لنفسه:
إن الله أمرني بالعبادات والطاعات، ولا أقدر على أدائها إلا بالعلم.
ونهاني عن المعاصي والآثام، ولا أقدر على اجتنابها إلا بعد معرفة قبحها، وسوء عاقبتها، ولا يتم ذلك إلا بالعلم.
ويقول: إن الله عز وجل أوجب علي شكر نعمه الظاهرة والباطنة، ولا أقدر على معرفتها، وطاعة الله فيها، إلا بالعلم.
وأمرني سبحانه بإنصاف الخلق، ولا أقدر على إنصافهم إلا بعد معرفة حقوقهم، وما يجب لهم، ولا يتم ذلك إلا بالعلم.
وأمرني سبحانه بالصبر على بلائه، ولا أقدر على ذلك إلا بعد معرفة ثوابه، وحسن عاقبته، ولا يتم ذلك إلا بالعلم.
وأمرني سبحانه بعداوة الشيطان وأتباعه، ولا أقدر على ذلك إلا بعد معرفة كيده وخطواته، ولا يتم ذلك إلا بالعلم.. وهكذا.